فصل: قال الغزنوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال بيان الحق الغزنوي:

سورة النازعات:
{والنازعات} [1] الملائكة تنزع الأرواح.
{غرقاً} [1] إغراقاً في النزع.
{والناشطات} [2] أيضاً الملائكة تنشط الأرواح كنشط العقال.
{والسابحات} [3] الملائكة تنزل من السماء بسرعة وسهولة كالسبح.
وقيل: النجوم تسبح في الأفلاك.
وقيل: الفلك في البحر.
وقيل: الخيل السوابق.
{فالسابقات} [4] الملائكة تسبق الشياطين بالوحي إلى الأنبياء عليهم السلام.
وقيل: المنايا تسبق الأماني.
وقيل: الآجال تسبق الآمال.
{الراجفة} [6] النفخة الأولى تميت الأحياء.
و{الرادفة} [7] التي تحيي الموتى كأنها من الأولى في موضع الردف من الراكب.
{واجفة} [8] خافقة مضطربة، من الوجيف في السير.
{في الحافرة} [10] في الأمر الأول، رجع في حافرته: إذا ذهب في الطريق الأول.
{نخرة} [11] بالية متآكلة. وناخرة: صيتة صافرة، كأن الريح تنخر فيها، والنخير: الصوات.
{بالساهرة} [14] أرض القيامة، وهي الصقع الذي بين جبلي أريحا وجبل حسان، يمده الله مداً كيف يشاء. وسميت بـ(الساهرة)، لأنه لا نوم فيها ولا قرار. ويكون في غير هذا الموضع الساهرة وجه الأرض، على طريقة السلب، إذ كان النوم والقرار على وجه الأرض، قال الهذلي في الساهرة: 1379- والدهر لا يبقى على حدثانه ** قب يردن بذي شجون مبرم
يرتدن ساهرة كأن جميمها ** وعميمها أسداف ليل مظلم.

{وأغطش ليلها} [29] بعد مظلماً.
{والأرض بعد ذلك} [30] أي: مع ذلك، كقوله: {عتل بعد ذلك}.
{دحاها} [30] بسطها، ومنه أدحي النعام لبسطها موضعه.
{الطامة الكبرى} [34] الداهية العظمى.
تمت سورة النازعات. اهـ.

.قال الأخفش:

سورة النازعات:
{وَالنازعات غرقاً}
قال: {وَالنازعات غرقاً} فأقسم- والله أعلم- على {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى} [26] وان شئت جعلته على {يوم ترجف الراجفة} [6] {قُلُوبٌ يومئِذٍ وَاجِفَةٌ} [8] {وَالنازعات}. وان شئت جعلته على {وَالنازعات} لـ {يوم ترجف الراجفة} {تَتْبَعُهَا الرادفة} [7] فحذفت اللام وهو كما قال جل ذكره وشاء ان يكون في هذا وفي كل الأمور.
{يَقولونَ أإنا لَمَرْدُودُونَ فِي الحافرة أَإذَا كُنَّا عِظَاماً نخرة}
وقال: {أإنا لَمَرْدُودُونَ فِي الحافرة} {أَإذَا كُنَّا عِظَاماً} كأنه أراد (أَنُرَدُّ إذَا كُنَّا عِظاماً) وأما من قال: {أإنا} و{أَاإِذا كنا} باجتماع الهمزتين ففصل بينهما بالف فانما أضمر الكلام الذي جعل هذا ظرفا له لأنه قد قيل لهم (إِنَّكُم تُبْعَثون وتُعادُون) فقالوا {أإِذا كنا ترابا} في هذا الوقت نعاد؟ وهو من كلام العرب بعضهم يقول {أَيِنَّا} و{أَيِذَا} فيخفف الآخرة لأنه لا يجتمع همزتان. والكوفيون يقولون (أإنا) و(أَإِذا) فيجمعون بين الهمزتين. وكان ابن ابي اسحاق يجمع بين الهمزتين في القراءة فيما بلغنا وقد يقول بعض العرب: (اللهمَّ اغفر لي خطائِئى) يهمزها جميعا. وهو قليل وهي في لغة قيس.
{إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طوى}
وقال: {بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طوى} فمن لم يصرفه جعله بلدة أو بقعة من صرفه جعله اسم واد أو مكان.
وقال بعضهم: لا بل هو مصروف وانما يريد بـ {طوى}: طوى من الليل، لأنك تقول: جِئْتُكَ بعدَ طوى من الليل. ويقال: {طوى} منونة مثل (الثِّنى) وقال الشاعر: من البسيط وهو الشاهد السابع والسبعون بعد المئتين:
تَرى ثِنانَا إِذَا ما جاءَ بَدْأَهُمُ ** وَبَدَأَهُم إِن أَتَانَا كانَ ثِنْياَنَا

والثِّنى: هو الشيءُ المَثْنِيّ.
{فَأَخَذَهُ اللَّهُ نكال الآخِرَةِ وَالأُوْلَى}
وقال: {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نكال الآخِرَةِ وَالأُوْلَى} لأنه حين قال: {أَخَذَه} كأنه (نَكَّلَ لِهِ) فأخرج المصدر على ذلك. وتقول (و الله لأصْرِمَنَّكَ تركا بَيِّناً). اهـ.

.قال ابن قتيبة:

سورة النازعات:
1- {وَالنازعات غرقاً} يقال: هي الملائكة تنزع النفوس إغراقا، كما يغرق النازع في القوس.
2- {وَالناشطات نَشْطاً} هي: الملائكة تقبض نفس المؤمن وتنشطها كما ينشط العقال، أي يربط.
{وَالسابحات سَبْحاً} أي الملائكة، جعل نزولها كالسّباحة.
و(السّبح) أيضا: التصرّف. كقوله: إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا [المزمل آية: 7].
4- فالسابقات سَبْقاً: تسبق الشياطين بالوحي.
5- فالمدبرات أَمْراً: تنزل بالحلال والحرام.
وقال الحسن: «هذه كلها: النجوم، خلا فالمدبرات أَمْراً: فإنها الملائكة». وإلى هذا ذهب ابو عبيدة.
6- يوم ترجف الراجفة: الأرض.
ويقال: «الرّجفة» و«الراجفة» هاهنا سواء.
7- تَتْبَعُهَا الرادفة أي تردفها اخرى. يقال ردفته وأردفته، إذا جئت بعده.
8- قُلُوبٌ يومئِذٍ واجِفَةٌ أي تجف وتخفق وتجب.
10- و11- أإنا لَمَرْدُودُونَ فِي الحافرة؟ أي إلى أول أمرنا. يقال:
رجع فلان في حافرته، وعلى حافرته. أي رجع من حيث جاء.
وأرادوا: أَإِذا كُنَّا عِظاماً نخرة نردّ احياء؟! كما قال الشاعر:
أحافرة على صلع وشيب ** معاذ اللّه من سفة وعار؟!

أي أأرجع الى أول أمري- أي في حداثتي- بعد الصلع والشيب؟!.
12 – {تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرة} أي رجعة يخسر فيها.
14 – و{بِالسَّاهِرَةِ}: وجه الأرض.
25- {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نكال الْآخِرَةِ وَالْأُولى} فإحداهما قوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعلى} [24]، والأخرى قوله: {ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي} [القصص: 38].
29- {أَغْطَشَ لَيْلَها} أي جعله مظلما.
30- {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دحاها} أي بسطها.
33- {مَتاعاً لَكُمْ} أي منفعة لكم.
42- {أَيَّانَ مُرْساها}؟ أي متى تأتي فتستقر؟ لأن الأشراط تتقدمها.
43- {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها}؟ أي ليس علم ذلك عندك. اهـ.

.قال الغزنوي:

سورة النازعات:
1 {وَالنازعات}: الملائكة تنزع الأرواح.
{غرقاً}: إغراقا في النّزع.
2 {نَشْطاً}: تنشطها كنشط العقال.
وقيل: الناشطات النّجوم السيّارة، ويقال للحمار الوحشي: ناشط لإسراعه أو لذهابه من مكان إلى آخر.
3 {وَالسابحات}: النّجوم تسبح في الأفلاك أو الفلك في البحر، أو الخيل السّوابق.
4 {فالسابقات}: الملائكة تسبق الشّياطين بالوحي إلى الأنبياء.
وقيل: المنايا تسبق الأماني.
6 {الراجفة}: النّفخة الأولى تميت الأحياء، و{الرادفة}: التي تحيي الموتى.
8 {واجِفَةٌ}: خافقة مضطربة، من (الوجيف).
10 {فِي الحافرة}: في الأمر الأول، رجع في حافرته: ذهب في طريقه الأول.
11 {نخرة}: بالية متآكلة، نخر العظم: بلي ورمّ. وناخرة: صيّتة صافرة، كأنّ الريح تنخر فيها نخيرا.
14 ب {السَّاهِرَةِ}: أرض القيامة.
29 {وَأَغْطَشَ لَيْلَها}: جعلها مظلمة.
30 {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ}: مع ذلك، كقوله: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ}.
{دحاها}: بسطها، وأدحي النّعام لبسطها موضعه.
34 {الطَّامَّةُ الْكُبْرى}: الداهية العظمى، وفي الحديث: «ما من طامّة إلّا وفوقها طامة». اهـ.

.قال ملا حويش:

تفسير سورة النازعات:
عدد 31- 71- 79.
وتسمى سورة الطامة والساهرة.
نزلت بمكة بعد سورة النبأ.
وهي ست وأربعون آية.
ومائة وسبع وتسعون كلمة.
وسبعمائة وثلاثة وخمسون حرفا.
لا يوجد في القرآن سورة مبدوءة بما بدئت به، ولا مختومة بما ختمت به، ولا مثلها في عدد الآي ولا ناسخ ولا منسوخ فيها.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قال تعالى: {وَالنازعات} الملائكة التي تنزع أرواح الكفرة نزعا شديدا بعنف وإهانة وقسوة كما تجر الشوكة من الصوف زيادة في تعذيبهم {غرقاً} 1 هو نزع من للنزع مبالغ فيه والإعراق في النزع التوغل فيه إلى بلوغ أقصى درجاته، وهو مفعول لاسم الفاعل قبله، أو مصدر من معناه كجلست قعودا، وقمت وقوفا، وشرط المفعول موجود هنا وهو اتفاق المصدر مع عامله لأنه بمعنى ما قبله، إلّا أنه ليس من لفظه، يقال أغرق النازع في القوس إذا اجتذبه وبلغ غاية المدّ فيه حتى انتهى إلى النصل، {وَالناشطات نَشْطاً} 2 الملائكة التي تشط أرواح المؤمنين فتسلتها سلّا كما تسحب الشعرة من الحليب والدلو من الماء بلين ولطف إكراما وتعظيما لشأنهم {وَالسابحات سَبْحاً} 3 الملائكة التي تسبح في مضيّهم تنفيذ أوامر ربهم مسرعين متسابقين في الهواء والفضاء كما تسبح الحيتان بالماء {فالسابقات سَبْقاً} 4 لقبض أرواح المؤمنين وإيصالها إلى الجنة بالاحترام والتكريم، واستخراج أرواح الكافرين وزجها في النار امتثالا لأمر ربهم وتعظيما لجلاله.
هذا ويوجد لهذه الآية معان كثيرة غير ما ذكرنا لا حاجة لإثباتها اكتفاء بما نقلناه {فالمدبرات أَمْراً} 5 من أمور العباد مما يعود لدينهم ودنياهم كما رسمه اللّه لهم، والوقف على كلمة أمرا لازم، لأن وصله بما بعده يصيّر كلمة {يوم ترجف الراجفة} 6 بسبب نفخ الملك بالصور النفخة الأولى إذ يضطرب لها كل شيء ويموت فيها جميع الخلق عدا من استثنى اللّه.
ظرفا (للمدبرات) مع أنه قد انقضى التدبير، تدبر {تَتْبَعُهَا الرادفة} 7 النفخة الثانية فيحيا بها كل شيء مات من أول الدنيا لآخرها من قبل النفخة الأولى وفيها وما بعدها.
وقد أقسم اللّه تعالى في هؤلاء الملائكة الكرام تبجيلا لشأنهم، وله أن يقسم بمن وما شاء من خلقه، أو لكثرة منافعهم بالنسبة لنا.
وجواب القسم محذوف تقديره لتبعثن بعد الموت أيها الناس، وهو جواب لمنكري البعث من الكفار.
وأعلم أن الخلائق تنقسم في ذلك اليوم المهول قسمين وقد بينهما بقوله جل قوله: {قُلُوبٌ يومئِذٍ واجِفَةٌ} 8 خائفة قلقة وجلة {أَبْصارُها خاشِعة} 9 ذليلة حقيرة خاضعة {يَقولونَ} أصحاب هذه القلوب والأبصار في الدنيا إذا قيل لهم أنكم مبعوثون بعد الموت {أإنا لَمَرْدُودُونَ فِي الحافرة} 10 أي الحالة الأولى كما كنا أول مرة أحياء إنكارا وتكذيبا وسخرية، يقال لمن كان في أمر فخرج منه ثم عاد إليه رجع إلى حافرته وعليه قوله:
أحافرة على صلع وشيب ** معاذ اللّه من سفه وعار

ثم حكى اللّه أقوالهم في الدنيا بقوله عز قوله: {أَإِذا كُنَّا عِظاماً نخرة} 11 زيادة في الإنكار والجحود والاستهزاء واستعظاما، أي كيف نردّ للحياة بعد أن آل أمرنا إلى ذلك {قالوا} مستكبرين أمر إعادتهم {تِلْكَ إِذاً} إن صحت الرجعة فهي {كَرَّةٌ خاسِرة} 12 نغين فيها لتكذيبنا إياها.
قال تعالى: {فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ} 13 نفخة لا تكرار فيها للإماتة وواحدة للإحياء.
{فَإِذا هُمْ} منكرو البعث مجموعون {بِالسَّاهِرَةِ} 14 على وجه الأرض ظاهرين للعيان لا يسترهم شيء، وسميت ساهرة لأن نوم الحيوان وسهره عليها، قال أمية ابن الصلت:
وفيها لحم ساهرة وبحر ** وما فاهوا به أبدا مقيم

وقال في الكشاف هي الأرض البيضاء المستوية الملساء لأن السراب يجري فيها أخذا من قولهم عين ساهرة أي جارية بالماء، قال الأشعث بن قيس:
وساهرة يضحى السراب مجللا ** لإقطارها قد جبتها متلثما

قال تعالى مخاطبا سيد المخاطبين {هَلْ أَتاكَ حديث مُوسى} 15 مع قومه كيف كان يتحمل مشاقهم، أما يجدر بك يا سيد الرسل أن تكون مثله فتحمل أذى قومك وإهانتهم، ذكّره اللّه تعالى به تسلية له، ثم شرع يذكر بعض ما خوله إياه وما لقي من المرسل إليهم فقال اذكر لقومك شيئا عنه {إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طوى} 16 اسم لواد عند الطور وقال له {اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى} 17 على قومه وتجاوز حدودنا {فَقُلْ} له {هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تزكى} 18 بحذف إحدى التاءين أي تتزكى من كفرك وسوء صنيعك إلى قومك {وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى} 19 عقابه جعل الخشية غاية للهداية، لأنها ملاك الأمر، ولأن من خشي اللّه يؤمل فيه كل خير، ومن أمن منه اجترأ على كل شر، ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي عن أبي هريرة: من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل. أي استراح من وعثاء السفر في دنياه. فهنيئا لمن يبلغ منزله في الآخرة على رضى من ربه فيستريح الراحة الدائمة.
وفي هذا الاستفهام ما لا يخفى من اللطف في الدعوة والاستنزال عن العتو، وإنما قدم التزكية على الهداية لأنها تخلية وهي مقدمة على التحلية، وهذه الآية على حد قوله تعالى: {فَقولا لَهُ قولا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى} الآية 45 من سورة طه.
قال تعالى: {فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى} 20 وهي العصا يوم فضحت سحر السحرة وأجبرتهم على الإيمان باللّه وبموسى {فَكَذَّبَ} بها فرعون وملؤه لغاية فسقهم في العناد ولم يؤمنوا كما أرينا قومك آية انشقاق القمر فكذبوها ورموك بالسحر {وَعَصى} 21 ربه وموسى كما عصى قومك ربهم وكذبوك، أي داوموا على عصيانهم ولم تؤثر بهم الآية العظيمة {ثُمَّ أَدْبَرَ} عنه وعن الإيمان به وذهب {يَسْعى} 22 للإفساد في الأرض مثل قومك {فَحَشَرَ} جمع جنوده وقومه {فَنادى فَقال} 23 فرعون في قومه بلا خجل ولا حياء {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعلى} 24 والأصنام كلها أرباب لكم من دوني وكذلك الكواكب وأنا رب الجميع، قاتله اللّه، وهذا معنى العلو الذي أراده أمام قومه لأنهم كانوا يعبدون الأصنام والكواكب، كما تقدم في القصة في الآية 103 من سورة الأعراف وغيرها {فَأَخَذَهُ اللَّهُ} على الصورة المبينة في الآية 63 من الشعراء، وهذا الأخذ العظيم كان {نكال الْآخِرَةِ وَالْأُولى} 25 أي عاقبتهما بأن أغرقه اللّه وقومه في الدنيا وأحرقهم في الآخرة، وفعلته الأولى هي تكذيبه موسى وإصراره على الكفر، والثانية قوله: {ما علمت لكم من إله غيري} وقوله: {أنا ربكم الأعلى} فأذاقه اللّه عذاب الدنيا بالإغراق وسيذيقه عذاب الآخرة بالإحراق على الصورة المبينة في الآية 98 من سورة هود {إِنَّ فِي ذلِكَ} الذي فعل بفرعون وقومه {لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى} 26 اللّه ويتقيه ومن لا، فلو أتيته بملء الدنا عظات وعبرا فلا تؤثر فيه لأن القلوب إذا قست كانت أشد من الحجارة، كما سيأتي في الآية 75 من البقرة، وذلك لأن فرعون وقومه أرادوا بكل قواهم أن يدبروا أمرا ليتخلصوا من موسى فلم يقدروا فأهلكهم اللّه، وإن قومك يا محمد يريدون باجتماعاتهم ومذاكراتهم التخلص منك ولن يقدروا، وإذا أصروا فيكون مصيرهم مثل مصير قوم فرعون، وقل لهم يا سيد الرسل {أَأَنْتُمْ} أيها الكفار المصرون على الإنكار {أَشَدُّ خَلْقاً} إذا أردنا إحياءكم بعد الموت {أَمِ السَّماءُ بَناها} 27 على ما ترون وقد {رَفَعَ سَمْكَها} سقفها إلى سمت العلو بغير عمد أو بعمد لا ترى كما مر في الآية 10 من سورة لقمان {فَسَوَّاها} 28 جعلها مستوية لا شقوق فيها ولا فطور ولا تضلع فيها، راجع الآية 12 من سورة النبأ {وَأَغْطَشَ لَيْلَها} أظلمه {وَأَخْرَجَ ضُحاها} 29 أبرز نهارها وعبر بالضحى عن النهار لأنه أكمل أجزائه في النور والضوء، وأضاف الليل والنهار إلى السماء لأنهما يجريان فيها، ولأن الليل ظلمتها والنهار سراجها {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ} بعد خلق السماء وما فيها {دحاها} 30 بسطها ومدها، قال أمية بن الصلت:
دحوت البلاد فسويتها ** وأنت على طيها قادر

وله من أمثال هذا كثير ومنه قوله:
وبث الخلق فيها إذ دحاها ** فهم قطّانها حتى التنادي

ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «آمن شعر أمية وكفر قلبه».
وقد ذكرنا في سورة السجدة بأن لا تنافي بين هذه الآية الدالة على خلق الأرض قبل السماء لأنها تشير إلى أن اللّه تعالى خلق الأرض أولا بلا دحو، ثم خلق السماء، ثم دحا الأرض كما هو موضح هناك فراجعه.
ومن جملة دحوها أن {أَخْرَجَ مِنْها ماءَها} إذ فجرها بالعيون والأنهار.